فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال غيره: {قل آمنوا} الآية تحقير للكفار، وفي ضمنه ضرب من التوعد والمعنى أنكم لستم بحجة فسواء علينا أأمنتم أم كفرتم وإنما ضرر ذلك على أنفسكم، وإنما الحجة أهل العلم انتهى.
والظاهر أن الضمير في {قل آمنوا به} عائد على القرآن، و{الذين أوتوا العلم} هم مؤمنو أهل الكتاب.
وقيل: ورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل ومَن جري مجراهما، فإنهما كانا ممن أوتي العلم واطّلعًا على التوراة والإنجيل ووجدا فيهما صفته عليه الصلاة والسلام.
وقيل: هم جماعة من أهل الكتاب جلسوا وهم على دينهم، فتذكروا أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه.
وقرئ عليهم منه شيء فخشعوا وسجدوا لله وقالوا: هذا وقت نبوّة المذكور في التوراة وهذه صفته، ووعد الله به واقع لا محالة، وجنحوا إلى الإسلام هذا الجنوح فنزلت هذه الآية فيهم.
وقيل: المراد بالذين {أوتوا العلم من قبله} هو محمد صلى الله عليه وسلم، والظاهر أن الضمير في {من قبله} عائد على القرآن كما عاد عليه في قوله: {به} ويدل عليه ما قبله وما بعده.
وقيل الضمير إن في {به} وفي {من قبله} عائدان على الرسول عليه الصلاة والسلام.
واستأنف ذكر القرآن في قوله: {إذا يتلى عليهم} والظاهر في قوله: {إذا يتلى عليهم} أن الضمير في {يتلى} عائد على القرآن.
وقيل: هو عائد على التوراة وما فيها من تصديق القرآن ومعرفة النبيّ عليه الصلاة والسلام، والخرور هو السقوط بسرعة، ومنه {فخر عليهم السقف} وانتصب {سجدًا} على الحال، والسجود وهو وضع الجبهة على الأرض هو غاية الخرور ونهاية الخضوع، وأول ما يلقي الأرض حالة السجود الذقن، أو عبر عن الوجوه بالأذقان كما يعبر عن كل شيء ببعض ما يلاقيه.
وقال الشاعر:
فخروا الأذقان الوجوه تنوشهم ** سباع من الطير العوادي وتنتف

وقيل: أريد حقيقة الأذقان لأن ذلك غاية التواضع وكان سجودهم كذلك.
وقال ابن عباس: المعنى للوجوه.
وقال الزمخشري: فإن قلت: حرف الاستعلاء ظاهر المعنى إذا قلت خر على وجهه وعلى ذقنه فما معنى اللام في خر لذقنه؟ قال:
فخر صريعًا لليدين وللفم

قلت: معناه جعل ذقنه ووجهه للخرور، واختصه به لأن اللام للاختصاص انتهى.
وقيل: اللام بمعنى على و{سبحان ربنا} نزهوا الله عما نسبته إليه كفار قريش وغيرهم من أنه لا يرسل البشر رسلًا وأنه لا يعيدهم للجزاء، وأن هنا المخففة من الثقيلة المعنى أن ما وعد به من إرسال محمد عليه الصلاة والسلام وإنزال القرآن عليه قد فعله وأنجزه، ونكر الخرور لاختلاف حالي السجود والبكاء، وجاء التعبير عن الحالة الأولى بالاسم وعن الحالة الثانية بالفعل لأن الفعل مشعر بالتجدد، وذلك أن البكاء ناشىء عن التفكر فهم دائمًا في فكرة وتذكر، فناسب ذكر الفعل إذ هو مشعر بالتجدد، ولما كانت حالة السجود ليست تتجدد في كل وقت عبر فيها بالاسم.
{ويزيدهم} أي ما تُلي عليهم {خشوعًا} أي تواضعًا.
وقال عبد الأعلى التيمي: من أوتي من العلم ما لا يبكيه خليق أن لا يكون أوتي علمًا ينفعه لأن تعالى نعت العلماء فقال: {إن الذين أوتوا العلم} الآية.
وقال ابن عطية: ويتوجه في هذه الآية معنى آخر، وهو أن يكون قوله: {قل آمنوا به أو لا تؤمنوا} مخلصًا للوعيد دون التحقير، المعنى فسترون ما تجازون به، ثم ضرب لهم المثل على جهة التقريع بمن تقدم من أهل الكتاب أي إن الناس لم يكونوا كما أنتم في الكفر بل كان الذين أوتوا التوراة والإنجيل والزبور والكتب المنزلة في الجملة إذا يتُلى عليهم ما نزل عليهم خشعوا وآمنوا انتهى.
وقد تقدمت الإشارة إلى طرف من هذا. اهـ.

.قال الثعالبي:

قوله سبحانه: {وبالحق أَنْزَلْنَاهُ} يعني القرآن نَزَلَ بالمصالحِ والسَّدادِ للناس، و{بالحق نَزَلَ} يريد: بالحقِّ في أوامره ونواهيه وأخباره، وقرأ جمهور الناس: {فَرْقَنَاهُ} بتخفيف الراء، ومعناه: بيَّنَّاه وأوضَحْناه وجَعَلْناه فرقانًا، وقرأ جماعةٌ خارجَ السبْعِ: {فَرَّقْنَاهُ} بتشديد الراء، أي: أنزلناه شيئًا بعد شيء، لا جملةً واحدة، ويتناسق هذا المعنى مع قوله: {لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ}، وتأوّلت فرقةٌ قوله: {على مُكْثٍ} أي: على ترسُّل في التلاوةِ، وترتُّل، هذا قول مجاهد وابن عباس وابن جُرَيْج وابن زيد، والتأويلُ الآخر، أي على مُكْثٍ وتطاوُلٍ في المدة شيئًا بعد شيء.
وقوله سبحانه: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ} فيه تحقيرٌ للكفَّار، وضَرْب من التوعُّد، و{الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ}: قالت فرقة: هم مؤمنو أهْلِ الكتابِ، و{الأذقان}: أسافل الوجوه حيث يجتمع اللَّحْيَانَ.
قال الواحِدِيُّ: {إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا} أي: بإِنزال القرآن، وبعَث محمَّد {لَمَفْعُولًا}. انتهى.
وقوله سبحانه: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} هذه مبالغةٌ في صفتهم، ومَدْحٌ لهم وحضٌّ لكل من توسَّم بالعلم، وحصَّلَ منه شيئًا أنْ يجري إلى هذه الرتبة النفيسَةِ وحكَى الطبريُّ عن التميميِّ؛ أن من أوتي من العلْمِ ما لم يُبْكِهِ لخَلِيقِ ألاَّ يكونَ أوتي عْلمًا ينفعه؛ لأن اللَّه سبحانه نعت العلماء، ثم تَلاَ هذه الآية كلَّها.
* ت *: وإِنه واللَّهِ لكذلكَ، وإِنما يخشَى اللَّهَ مِنْ عباده العلماءُ، اللهمَّ انْفَعْنَا بما عَلَّمتنا، ولا تجعْلُه علينا حجَّةً بفضلك، ونقل الغَزَّاليُّ عن ابن عبَّاس؛ أنه قال: إِذا قرأتم سَجْدَةَ {سُبْحَانَ} فلا تعجلوا بالسُّجُود حتى تَبْكُوا، فإِن لم تَبْكِ عينُ أحدِكُمْ، فَلْيبكِ قلبه. قال الغَزَّالِيُّ: فإن لم يحضرْهُ حُزْن وبكاءٌ؛ كما يحضر أرباب القلوب الصافيَةِ فليَبْكِ على فَقْدِ الحُزْن والبكاء، فإِن ذلك من أعظم المصِائبِ. قال الغَزَّالِيُّ: واعلم أنَّ الخشوع ثمرةُ الإِيمان، ونتيجةُ اليقينِ الحاصلِ بعظمةِ اللَّه تعالى، ومَنْ رُزِقَ ذلك، فإِنه يكون خاشعًا في الصلاة وغيرها؛ فإِن موجب الخشوع استشعارُ عظمة اللَّه، ومعرفةُ اطلاعه على العَبْد، ومعرفةُ تقصير العَبْد، فمن هذه المعارفِ يتولَّد الخشوعُ، وليْسَتْ مختصَّةً بالصلاة، ثم قال: وقد دلَّت الأخبار على أن الأصل في الصَّلاة الخشوعُ، وحضورُ القَلْب، وأن مجرَّد الحركاتِ مع الغَفْلة قليلُ الجدوى في المعادِ، قال: وأعلم أنَّ المعاني التي بها تتمُّ حياة الصلاة تجمعها ستُّ جُمَلٍ، وهي: حضورُ القَلْبِ، والتفهُّمُ، والتعظيمُ، والهَيْبَة، والرجاءُ، والحياءُ، فحضور القَلْب: أن يفرِّغه من غير ما هو ملابسٌ له، والتفهُّم: أمر زائد على الحُضُور، وأما التعظيم، فهو أمر وراءَ الحضور والفَهْمِ، وأما الهَيْبة، فأمر زائد علي التعظيمِ، وهي عبارة عن خَوْفٍ مَنْشَؤه التعظيم، وأما التعظيم، فهو حالةٌ للقَلْب تتوَّلد من معرفتين: إِحداهما: معرفة جلالِ اللَّه سبحانه وعظمته، والثانية: معرفة حقارة النفْسِ، واعَلَمْ أَنَّ حضور القلب سببه الهِمَّة، فإِن قلبك تَابِعٌ لهمَّتك، فلا يحضر إِلا فيما أهمَّك، ومهما أهمَّك أمر، حَضَر القَلْب، شاء أم أبى، والقلب إذا لم يحضُرْ في الصلاة، لم يَكُنْ متعطِّلًا؛ بل يكون حاضرًا فيما الهمة مصروفةٌ إِليه. انتهى من الإحياء. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وبالحق أَنْزَلْنَاهُ وبالحق نَزَلَ} أي وما أنزلنا القرآنَ إلا ملتبسًا بالحق المقتضي لإنزاله وما نزل إلا ملتبسًا بالحق الذي اشتمل عليه، أو ما أنزلناه من السماء إلا محفوظًا وما نزل على الرسول إلا محفوظًا من تخليط الشياطينِ، ولعل المرادَ بيانُ عدم اعتراءِ البطلان له أولَ الأمرَ وآخرَه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشّرًا} للمطيع بالثواب {وَنَذِيرًا} للعاصي من العقاب، وهو تحقيقٌ لحقية بعثتِه عليه الصلاة والسلام إثرَ تحقيقِ حقية إنزالِ القرآن.
{وَقُرْءانًا} منصوب بمضمر يفسّره قوله تعالى: {فَرَقْنَاهُ} وقرئ بالتشديد دَلالةً على كثرة نجومِه {لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ} على مَهل وتثبُّتٍ فإنه أيسرُ للحفظ وأعونُ على الفهم، وقرئ بالفتح وهو لغة فيه {ونزلناه تَنْزِيلًا} حسبما تقتضيه الحكمةُ والمصلحة ويقع من الحوادث والواقعات.
{قُلْ} للذين كفروا {ءَامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ} فإن إيمانَكم به لا يزيده كمالًا وامتناعَكم لا يورثه نقصًا {إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ} أي العلماءَ الذين قرأوا الكتبَ السالفةَ من قبل تنزيلِه وعرَفوا حقيقةَ الوحي وأماراتِ النبوةِ وتمكّنوا من التمييز بين الحقِّ والباطلِ والمُحقِّ والمبطلِ ورأوا فيها نعتَك ونعتَ ما أنزل إليك {إِذَا يتلى} أي القرآنُ {عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} أي يسقطون على وجوههم {سُجَّدًا} تعظيمًا لأمر الله تعالى أو شكرًا لإنجاز ما وعد به في تلك الكتبِ من بعثتك، وتخصيصُ الأذقانِ بالذكر للدِلالة على كمال التذللِ إذ حينئذ يتحقق الخُرور عليها، وإيثارُ اللام للدِلالة على اختصاص الخُرور بها كما في قوله:
فخرَّ صريعًا لليدين وللفمِ

وهو تعليلٌ لما يفهم من قوله تعالى: {ءَامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ} من عدم المبالاة بذلك أي إن لم تؤمنوا به فقد آمن به أحسنَ إيمانٍ مَنْ هو خيرٌ منكم، ويجوز أن يكون تعليلًا لقُلْ على سبيل التسليةِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قيل: تسلَّ بإيمان العلماءِ عن إيمان الجهلةِ ولا تكترث بإيمانهم وإعراضِهم.
{وَيَقُولُونَ} في سجودهم {سُبْحَانَ رَبّنَا} عما يفعل الكفرةُ من التكذيب أو عن خُلْف وعده {إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولًا} إن مخففةٌ من المثقّلة، واللامُ فارقةٌ أي إن الشأن هذا.
{وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ} كرر الخُرورَ للأذقان لاختلاف السبب فإن الأولَ: لتعظيم أمر الله تعالى أو الشكرِ لإنجاز الوعدِ والثاني: لِما أثّر فيهم من مواعظ القرآنِ حالَ كونِهم باكين من خشية الله {وَيَزِيدُهُمْ} أي القرآنُ بسماعهم {خُشُوعًا} كما يزيدهم علمًا ويقينًا بالله تعالى. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} عود إلى شرح حال القرآن الكريم فهو مرتبط بقوله تعالى: {لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن} [الإسراء: 88] الآية وهكذا طريقة العرب في كلامها تأخذ في شيء وتستطرد منه إلى آخر ثم إلى آخر ثم إلى آخر ثم تعود إلى ما ذكرته أولًا والحديث شجون فضمير الغائب للقرآن وأبعد من ذهب إلى أنه لموسى عليه السلام، والآية مرتبطة بما عندها، والإنزال فيها كما في قوله تعالى: {وَأَنزْلْنَا الحديد} [الحديد: 25] وقد حمله بعضهم على هذا المعنى فيما قبل أو للآيات التسع وذكر على المعنى أو للوعد المذكور آنفًا، والظاهر أن الباء في الموضعين للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير القرآن واحتمال أن يكون أولًا حالًا من ضميره تعالى خلاف الظاهر، والمراد بالحق الأول على ما قيل الحكمة الإلهية المقتضية لإنزاله وبالثاني ما اشتمل عليه من العقائد والأحكام ونحوها أي ما أنزلناه إلا ملتبسًا بالحق المقتضي لإنزاله وما نزل إلا ملتبسًا بالحق الذي اشتمل عليه، وقيل الباء الأولى للسببية متعلقة بالفعل بعد والثانية للملابسة، وقيل: هما للسببية فيتعلقان بالفعل وقال أبو سليمان الدمشقي: الحق الأول التوحيد والثاني الوعد والوعيد والأمر والنهي، وقيل الحق في الموضعين الأمر المحفوظ الثابت، والمعنى ما أنزلناه من السماء إلا محفوظًا بالرصد من الملائكة وما نزل على الرسول إلا محفوظًا بهم من تخليط الشياطين، وحاصله أنه محفوظ حال الإنزال وحال النزول وما بعده لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وأبعد من جوز كون المراد بالحق الثاني النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى نزوله به نزوله عليه وحلوله عنده من قولهم نزل بفلان ضيف، وعلى سائر الأوجه لا تخفى فائدة ذكر الجملة الثانية بعد الأولى، وما يتوهم من التكرار مندفع ونحا الطبري إلى أن الجملة الثانية توكيد للأولى من حيث المعنى لأنه يقال أنزلته فنزل وأنزلته فلم ينزل إذا عرض له مانع من النزول فجاءت الجملة الثانية مزيلة لهذا الاحتمال وتحاشي بعضهم من إطلاق التوكيد لما بين الإنزال والنزول من المغايرة وادعى أنه لو كانت الثانية توكيدًا للأولى لما جاز العطف لكمال الاتصال {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشّرًا} للمطيع بالثواب {وَنَذِيرًا} للعاصي من العقاب فلا عليك إلا التبشير والإنذار لا هداية الكفرة المقترحين وإكراههم على الدين ولعل الجملة لتحقيق حقية بعثته صلى الله عليه وسلم أثر تحقيق حقية القرآن ونصب ما بعد إلا على الحال.
{وَقُرْءانًا} نصب بفعل مضمر يفسره قوله تعالى: {فَرَقْنَاهُ} فهو من باب الاشتغال ورجع النصب على الرفع العطف على الجملة الفعلية ولو رفع على الابتداء في غير القرآن جاز إلا أنه لابد له من ملاحظة مسوغ عند من لا يكتفي في صحة الابتداء بالنكرة بحصول الفائدة وعلى هذا أخرجه الحوفي.
وقال ابن عطية: هو مذهب سيبويه، وقال الفراء: هو منصوب بأرسلناك أي مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشّرًا وَنَذِيرًا وَقُرْءانًا كما تقول رحمة لأن القرآن رحمة، ولا يخفى إنه إعراب متكلف لا يكاد يقوله فاضل، ومما يقضي منه العجب ما جوزه ابن عطية من نصبه بالعطف على الكاف في {أرسلناك} [الإسراء: 105].
وقال أبو البقاء: وهو دون الأول وفوق ما عداه إنه منصوب بفعل مضمر دل عليه {ءاتَيْنَا} [الإسراء: 101] السابق أو {أرسلناك} [الإسراء: 105] وجملة {فَرَقْنَاهُ} في موضح الصفة له أي آتيناك قرآنًا فرقناه أي أنزلناه منجمًا مفرقًا أو فرقنا فيه بين الحق والباطل فحذف الجار وانتصب مجروره على أنه مفعول به على التوسع كما في قوله:
ويومًا شهدناه سليمًا وعامرًا

وروي ذلك عن الحسن، وعن ابن عباس بينا حلاله وحرامه، وقال الفراء: أحكمناه وفصلناه كما في قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه، وابن عباس، وأبي: وعبد الله، وأبو رجاء، وقتادة، والشعبي، وحميد، وعمر بن قائد، وزيد بن علي، وعمرو بن ذر، وعكرمة، والحسن بخلاف عنه {فَرَقْنَاهُ} بشد الراء ومعناه كالمخفف أي أنزلناه مفرقًا منجمًا بيد أن التضعيف للتكثير في الفعل وهو التفريق، وقيل فرق بالتخفيف يدل على فصل متقارب وبالتشديد على فصل متباعد والأول أظهر، ولما كان قوله تعالى الآتي {على مُكْثٍ} يدل على كثرة نجومه كانت القراءتان بمعنى، وقيل معناه فرقنا آياته بين أمر ونهي وحكم وأحكام ومواعظ وأمثال وقصص وأخبار مغيبات أتت وتأتي والجمهور على الأول.